ترسيم الحدود البحرية والبرّية أمر واقع أم حلم انتهى؟ 
الشحيتلي: اتفاق شامل أو لا اتفاق

سنوات مضت على مشاريع ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. الى الملاحظات التي يتحدث عنها منذ العام 2000، تاريخ ترسيم الخط الازرق وتشير الى 13 نقطة ما زال العدو يتجاوز فيها حدوده البرية، رفض لبنان افكارا وخططا اميركية للترسيم البحري منذ العام 2008، افقدته حوالى 860 كيلومترا من المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة 

كان ذلك قبل ان يتدخل مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دافيد ساترفيلد لاحياء المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية من جديد، بعد فشل مهمتي وسيطين اميركيين سابقين هما كريستوفر هوف وعاموس هولكشتاين. يقوم ساترفيلد منذ مطلع ايار الماضي بزياراته المكوكية بين لبنان والاراضي المحتلة من دون الوصول الى آلية نهائية للمفاوضات، تلبي الشروط اللبنانية التي قالت بالترسيم المتوازي بين البر والبحر برعاية الولايات المتحدة الاميركية لمفاوضات غير مباشرة، وبلا مهل بين الطرفين في مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة.
عن كل ما استجد حول هذا الموضوع، التقت "الامن العام" الرئيس السابق لوفد لبنان المفاوض حول الحدود مع اسرائيل اللواء المتقاعد عبد الرحمن الشحيتلي.

* حكي عن ورقة جديدة سلمها لبنان اوائل ايار الى الاميركيين، قالت بموقف موحد ربط بين الترسيمين البري والبحري على الحدود. ما الذي غيرته في الشكل والمضمون؟
- في الشكل، رئيس الجمهورية هو رمز الوحدة الوطنية الذي ينكس له العلم اللبناني، فالطلب عندما يسلم منه يعني انه طلب من كل لبنان. اما في المضمون، فان رئيس الجمهورية هو الموكل دستوريا بعقد الاتفاقات الخارجية، كما انه هو الذي اقسم يمين الحفاظ على الدستور. وبما ان موضوع الحدود دستوري حيث نصت مقدمة الدستور على ان لبنان وطن نهائي لمواطنيه ضمن حدوده المعترف فيها دوليا، فإن تسليم الورقة من رئيس الجمهورية يعطي الطلب غطاءه الدستوري. لكن طبعا اي اتفاق حدودي لن يكون دستوريا قبل ابرامه من مجلس النواب. 
* تابعت المفاوضات الاخيرة التي قادها مساعد وزير الخارجية الاميركية دافيد ساترفيلد في زياراته المكوكية بين بيروت وفلسطين المحتلة. ما الذي تغير في الموقف الاسرائيلي؟
- احرقت الاوراق كلها التي كان يحملها العدو الاسرائيلي في مواجهة لبنان في موضوع الحدود، ولم يبق امامه الا التفاوض معه في محاولة لتشريع ما يمكن تشريعه من المناطق المحتلة برا او بحرا، وما لا يمكن تشريعه بالمفاوضات يبقى معلقا. هذه هي الطريقة التي استولى بها العدو على الاراضي العربية منذ نشأة الكيان. لن ينجح ولن يستطيع تحقيق اي هدف من اهدافه في المفاوضات، لأن شرط لبنان بتلازم المسارات وعدم تحديد فترة زمنية يفسر موقفه الموحد الصلب: لا تجزئة، اما تفاوض وحقوق كاملة واما لا تفاوض. الرعاية الاممية هي لاضافة الشرعية الدولية الى الحل الموعود للحؤول دون امكان نقضه مستقبلا. 
* كثر الحديث عن عدم رغبة اليونيفيل في رعاية مفاوضات بين لبنان واسرائيل في ظل قواعد السلوك التي فرضها القرار 1701؟ ما الذي يجب ان يتغير لتقوم بالمهمة؟
- في موضوع الحدود البرية، وانطلاقا من القرار 1701، وتنفيذا للبند الخامس منه (الذي نص على ان  اتفاق الهدنة هو احد مستندات القرار وبالتالي يجب ان يتطابق الخط الازرق مع خط الهدنة)، على قيادة اليونيفيل تحمل مسؤولياتها ورعاية عملية المحادثات لتصحيح خطأ ارتكبته في احداثيات الخط الازرق حيث يلزم، خاصة وان قوات مراقبة خط الهدنة العاملة على مقطع الحدود اللبنانية الجنوبية قد وضعت تحت السيطرة العملانية لقائد اليونيفيل. اما من ناحية الحدود البحرية، فإن لبنان دعا دائما الى ضرورة رعاية الامم المتحدة مفاوضات ترسيم الحدود، وخاصة عند الزيارات المتكررة للوفود الاممية. كان هذا المطلب الاول لدولة الرئيس نبيه بري في كل اجتماعاته معهم، وعلى رأسهم الامين العام للامم المتحدة، وذلك تنفيذا للبند السادس من ميثاق الامم المتحدة الذي يدعوها الى التحرك تلقائيا عند وجود تهديد للاستقرار الامني. ومن هنا كانت موافقة لبنان على الوساطة الاميركية كونها من الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن. في المحصلة، المفاوضات على الخط الازرق (الحدود البرية) لا تحتاج الى اي تغيير في مهمة اليونيفيل. اما استضافة المفاوضات على الحدود البحرية ورعايتها، فانها تحتاج الى اضافة المهمة اليها من دائرة حفظ السلام في الامم المتحدة بقرار من الامين العام للامم المتحدة، ويعطى مجلس الامن علما بذلك. 

اللواء المتقاعد عبد الرحمن الشحيتلي.

* ما هي الدوافع التي قادت الى احياء مساعي الترسيم؟ ما هي الظروف التي رافقت توحيد الموقف اللبناني بعد طول انقسام؟ 
- وقع لبنان عقدا لبدء استخراج الغاز في البلوك رقم 9 جنوبا، وهو في صدد اطلاق عمليات التلزيم لبلوكات اخرى. بذلك انتهى مفعول ورقة "منطقة متنازع عليها" لمنع لبنان من الاستثمار في 860 كلم من منطقته الاقتصادية، لأن منع الشركات من تنفيذ عقودها في بدء الاستثمار في البلوكات الحدودية الجنوبية، سيؤدي الى منع الشركات من الاستثمار في البلوكات من الجهة المقابلة بالقانون او بالقوة اذا لزم الامر. لذلك تحاول اسرائيل التوصل الى حل يضمن المناخ الآمن للاستثمار، لكنها حتى اليوم ما زالت تراوغ لعدم اعطاء لبنان كامل حقوقه. توحيد الموقف اللبناني جاء بعد زيارة وزير الخارجية الاميركية الى بيروت مايك بومبيو للرئيس نبيه بري، واقتناعه بوجهة نظره لجهة ضرورة رعاية الامم المتحدة المفاوضات، وضرورة تلازم المسارين لما في ذلك من تأثير على الاستقرار في المنطقة.
* اذا صحت  المعلومات المسربة من المفاوضات، ما الذي يعنيه ان تصر اسرائيل على مهلة الاشهر الستة لاتمام المفاوضات ورفض لبنان لها؟ 

على اليونيفيل تحمل المسؤولية لتصحيح خطأ ارتكبته في احداثيات الخط الازرق.

- اعتقد ان مهلة الاشهر الستة مرتبطة بوضعين: الاول الحدود البرية، فاسرائيل تريد استكمال اجراءاتها على الحدود البرية من بناء الجدار والتحصينات الامنية والعسكرية قبل بدء تنفيذ صفقة القرن لما يمكن ان يكون لذلك من تداعيات على حدودها خاصة من ردود فعل فلسطينية على غرار ما يجري في غزة من مسيرات عودة او غير ذلك. الثاني بحري لبدء استخراج الغاز بعدما استكملت اسرائيل الاستعدادات لذلك. طبعا كل ذلك على الطريقة الاسرائيلية المتبعة من عام 1948 حتى اليوم. تريد ان تأخذ ما يمكن ان تأخذه اليوم وما لا يمكن اخذه يؤجل الى موعد اخر. عظيم هو الموقف اللبناني بحق. للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي تفاوض اسرائيل طرفا عربيا منتصرا، ويفرض شروطه قبل بدء المفاوضات اهمها: اتفاق شامل او لا اتفاق. كما ان عامل الوقت يحدده مسار المفاوضات وليست اسرائيل من تحدده.
* كيف تقرأ مستقبل هذه المفاوضات وكيف سيجري توحيد المسارين البري والبحري ليتحقق للبنان ما يريده؟
- من الخطأ التفاؤل او التشاؤم في هذا الموضوع. نحن نفاوض عدوا ومسيرة المفاوضات مزروعة بالافخاخ عند كل مفصل. لذا لا مجال للتفاؤل بحسن الظن. لكن تبقى العوامل الاساسية للمفاوضات، هي اولا في تحصين الوفد اللبناني بالمعرفة من كل جوانبها التقنية والقانونية والامنية والسياسية والديبلوماسية، وقبل ذلك كله بالثقة الكاملة. ثم ان وحدة الموقف اللبناني وكمّ الافواه المشوشة بالمزايدات وخاصة ممن يدعون الالمام بالموضوع ولا يفقهون شيئا منه، فيعطون العدو اوراق ضغط مجانية ويضعف المفاوض اللبناني. اعتقد ان الهدف الذي ستحدده السلطة السياسية للمفاوض هي ورقة موحدة بملحقين: ملحق بالحدود البرية وملحق بالحدود البحرية. غير ذلك لا اتفاق.