إهمالهم جريمة في القانون وفي حق مستقبل الوطن
الأمن العام يولي حماية حقوق الأطفال إهتماماً شاملا

نهج اعتماد اعلى المعايير الدولية لحقوق الانسان الذي تطبقه المديرية العامة للامن العام في كل مجالات عملها، لم يتوقف عند حدود اطلاقها مدونة قواعد سلوك خاصة بها بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة، او استحداثها نظارة نموذجية تراعي ارقى المعايير الانسانية. بل اثمر استحداث دائرة خاصة بحقوق الانسان، شعبة للتعاون العسكري المدني، حضانة للاطفال  

إهمال تربية الأطفال جريمة بحسب قانون العقوبات

تؤكد الدراسات الاجتماعية والنفسية على ان الطفل، على سبيل التشبيه المجازي، يشبه الارض الخصبة القابلة للزرع. اذا اهتممنا بها، عبر تسييجها وحراثتها وزرعها وريها وحمايتها من الافات، تعطي ثمارا صالحة. اما اذا اهملناها، فلن تعطي اي ثمار وتصبح مسرحا للاشواك، وممرا سهلا لكل عابر سبيل يدوسها عابرا نحو هدفه. استطرادا، ان اهمال تربية الاطفال ورعايتهم يشكلان جريمة بحسب القانون اللبناني، كذلك في حق مستقبل الوطن لانهما يجعلان الطفل طرفا ضعيفا وصيدا سهلا للشبكات الارهابية، وشبكات المخدرات، ولكل جهة تبحث عن اشخاص يمكن استغلالهم بسهولة في اشعال فتنة من هنا او حربا من هناك.     
ما التعريف القانوني للطفل؟ ما حقوقه؟ ما التصرفات القانونية والاعمال والمهن المسموح او غير المسموح له القيام بها؟ اي دور تقوم به المديرية العامة للامن العام على صعد حماية حقوقه، رعايته، الترفيه عنه، وتوعيته على مخاطر كل الافات الاجتماعية والحروب الناعمة التي قد تستهدفه لتستغله؟
التعريف 

قانون الأحداث يطبق على من هم دون 18 سنة

على الصعيد الدولي، نجد ان احدى اهم الاتفاقيات الدولية في هذا المجال وهي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة في مؤتمر القمة العالمي في 20 تشرين الثاني عام  1989 ودخلت حيز التنفيذ في 2 ايلول 1990 وصادق عليها لبنان في العام نفسه، تعرف في مادتها الاولى الطفل بأنه: "كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة (18)، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". بالتالي، فقد حددت سن الرشد بـ18 سنة، وتركت لكل دولة حق تحديد سن ادنى منه اذا شاءت ذلك استنادا الى معطياتها الاجتماعية، الثقافية، الطبيعية، وسواها.  
على الصعيد اللبناني، تجمع مختلف القوانين اللبنانية على ان سن الرشد هو 18 سنة، في حين انها تعتمد تسميات تقنية - قانونية عدة لمن هم دون هذه السن. مثلا، نرى ان  المادة الاولى من  قانون حماية الاحداث المخالفين للقانون او المعرضين للخطر الصادر تحت الرقم 422 في تاريخ 6 حزيران 2002 تنص على ان: "الحدث الذي يطبّق عليه هذا القانون هو الشخص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره...". بالتالي، فقد اعتمدت تسمية الحدث لكل من هو دون الثامنة عشرة من عمره. 
في المقابل، نجد ان قانون العقوبات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 340 في تاريخ الاول من اذار 1943 ينص في المادة 240 منه على انه: "يعني هذا القانون بالولد من اتم السابعة من عمره ولما يتم الثانية عشرة. وبالمراهق من اتم الثانية عشرة ولما يتم الخامسة عشرة. وبالفتى من اتم الخامسة عشرة ولما يتم الثامنة عشرة". 
اما قانون الموجبات والعقود الصادر في تاريخ 9 اذار 1932 فقد نصت المادة 215 منه على ان: "كل شخص اتم الثامنة عشرة من عمره هو اهل للالتزام، ما لم يصرح بعدم اهليته في نص قانوني". وفي المادة 216 منه ميز بين من يسمى الصغير (اي القاصر) وبين من يسمى القاصر المميز، من دون ان يحدد السن الذي يفصل بينهما. وهنا نوضح ان الاجتهاد في معظمه اعتبر ان القاصر هو من يتراوح عمره بين يوم وسبع سنوات، والقاصر المميز بين 7 و18 سنة. 
اما قانون العمل الصادر في 23 ايلول 1946، فقد نصت المادة 21 منه على انه: "يخضع استخدام الاحداث الذين يقل سنهم عن الثامنة عشرة الى الاحكام الواردة في هذا الفصل (من القانون)". بالتالي، هو اعتمد تسمية الحدث. 
بناء عليه، وعلى الرغم من هذه التسميات المختلفة، يبقى السؤال الاهم هو الاتي: ما هي الاحكام القانونية التي تطبق على من هم دون سن 18 سنة، على اختلاف اعمارهم، بحسب معظم القوانين؟ 

الأمن العام يكافح إستغلال وتعذيب الاتفال والعمالة غير الشرعية

اليكم ابرزها وفقا للاتي: 
الموجبات والعقود
في ما خص مختلف التصرفات القانونية، بخاصة العقود، التي يجوز او لا يجوز لمن هم دون 18 سنة القيام بها، نجد ان قانون الموجبات والعقود يميز بين احتمالات واوضاع قانونية عدة، كوضع الجنين، القاصر غير المميز، القاصر المميز، وسواها من الاوضاع التي  يمكن اختصار ابرز عناوينها العريضة كالاتي:
-    بالنسبة الى الجنين في بطن امه: يكون اهلا لاكتساب الحقوق عبر الارث او الوصية مثلا، وسواها من التصرفات القانونية التي تعود عليه بالنفع التام من دون اي التزامات.
-     بالنسبة الى القاصر غير المميز: (بين يوم و7 سنوات حسب الاجتهاد) في هذه المرحلة العمرية يكون للطفل حق اكتساب الحقوق التي اشرنا اليها في فقرة الجنين. لكن، ان كل التصرفات القانونية التي قد يقوم بها هي تعديات باطلة بطلانا مطلقا. كتوقيعه مثلا على عقد بيع عقار تملكه عبر الارث، او ما شابه.
-    بالنسبة الى القاصر المميز: (بين 7 و18 سنة حسب الاجتهاد). في هذه المرحلة العمرية يميز القانون بين ثلاثة انواع من التصرفات القانونية، كالاتي:
اولا: التصرفات النافعة نفعا محضا: كقبوله هبة مثلا. يمكن القاصر المميز اجراء ذلك ويعتبر تصرفه هذا صحيحا ونافذا.
ثانيا: التصرفات الضارة ضررا محضا: كقيامه مثلا بوهب احد العقارات التي تعود ملكيتها له، اي مجانا من دون اي مقابل. تصرفه هذا يعتبر باطلا بطلانا مطلقا، اي كأنه لم يحصل.
ثالثا: التصرفات الدائرة بين النفع والضرر: كقيامه مثلا ببيع عقار يملكه عبر الارث في مقابل ثمن معين. يستطيع القاصر المميز اجراء مثل ذاك التصرف لكن، وهنا بيت القصيد، يبقى له حق الرجوع عن العقد عند بلوغه سن الرشد. اما في حال اجاز ولي امره، الذي يحدده القانون او تحدده المحكمة المختصة عند الحاجة، ذاك التصرف فعندها يصبح التصرف تاما ونهائيا ولا يجوز للقاصر المميز الرجوع عنه عند بلوغه سن الرشد.   
استطرادا، نوضح ان القاصر المميز الذي يأذن له ولي امره بممارسة التجارة او الصناعة، يعامله القانون كمن بلغ سن الرشد في حدود تجارته او صناعته حصرا. بالتالي، تبقى الاحكام القانونية الخاصة بالقاصر المميز مطبقة عليه في كل ما يعتبر خارج دائرة تلك التجارة او الصناعة. 

التعاون تام بين الأمن العام وجمعيات المجتمع المدني

ارتكاب جريمة
في حال اقدام الحدث الذي لم يبلغ سن 18 سنة على ارتكاب جريمة ما، او كان معرضا لخطر ما، فان القانون الذي يطبق عليه هو قانون حماية الاحداث المخالفين للقانون او المعرضين للخطر، وذلك بالنسبة الى كل اجراءات التحقيق والتوقيف والمحاكمة والعقوبات وسواها، وهي اجراءات تتميز بانها تعد مخففة واصلاحية مقارنة بتلك التي تفرضها سائر القوانين الاخرى على الراشدين.  

العمل
خص قانون العمل اللبناني الاشخاص غير الراشدين باحكام قانونية تهدف الى حمايتهم بشكل اساسي، بحيث انه وبحسب نوع كل عمل يميز بين من هو في سن 13 او 15 او 16 وهكذا دواليك، اي لا يعتمد قاعدة واحدة لجميع غير الراشدين، وهذا حال كل القوانين، لاسيما قوانين الاحوال الشخصية وسواها. على سبيل المثال، نجد ان المادة 22 من قانون العمل تنص على انه: "يحظر بصورة مطلقة استخدام الاحداث قبل اكمالهم سن الثالثة عشرة ويجب ان لا يستخدم الحدث قبل اجراء فحص طبي للتأكد من لياقته للقيام بالاعمال التي يستخدم لادائها. تعطى الشهادات الطبية مجانا من وزارة الصحة العامة، وتجدد سنويا حتى اكمال الحدث سن الثامنة عشرة. يمكن الغاؤها في اي وقت اذا ثبت بعد ذلك عدم لياقة الحدث للقيام بالعمل الذي استخدم من اجله". كما ان المادة 23 منه حظرت استخدام الاحداث في المشاريع الصناعية والاعمال المرهقة او المضرة بالصحة (المعددة ضمن الجدولين 1 و 2 المرفقين بقانون العمل) قبل اكمالهم سن الخامسة عشرة، وسواها من الاحكام المشابهة. 

اهمالهم... جريمة
في هذا السياق، وبهدف توضيح الفكرة نذكر على سبيل المثال، ان المادة 501 من قانون العقوبات تنص على ما يلي: "ان الاب والام اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي او غير الشرعي او ولدا تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الاعالة الذي يقع على عاتقهما او اهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة اشهر على الاكثر وبغرامة لا تتجاوز المائتي الف ليرة". في المقابل، تجدر الاشارة ايضا الى ان مجمل احكام قانون العقوبات تشدد عقوبة اي شخص يرتكب جرم بحق شخص غير راشد. كما تشددها اكثر، في معظم الحالات تقريبا، اذا كان عمر المعتدى عليه اقل من سبع سنوات. 
 
حقوق الطفل
ان ابرز حقوق الطفل التي نصت عليها الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، التي سبق واشرنا الى ان الدولة اللبنانية صادقت عليها وبالتالي اصبحت ملزمة لها، هي الاتية: حقه في الحياة وفي البقاء والنمو، في اسم وكنية وهوية وجنسية، في الحفاظ على صلاته العائلية، في التعبير عن ارائه بحرية في المسائل التي تهمه، في حرية الفكر والوجدان والدين والمجتمع، في الرفاهية واللهو وفي اعلام سليم، في الحماية من اشكال العنف او الضرر او الاساءة البدنية او العقلية او النفسية او الاهمال او الاستغلال كافة، حقه في حياة كاملة وكريمة اذا كان معوقا جسديا او عقليا، في التمتع باعلى مستوى صحي، في الضمان الاجتماعي ومستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، في التعليم، في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، في الوقاية من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، في الحماية من المنازعات المسلحة، في محاكمة انسانية عادلة امام هيئة قضائية متخصصة... 
اهتمام شامل 
لا قيمة حضارية وانسانية واخلاقية لأي مؤسسة او شعب او دولة الا بمقدار ما يساهمون به في تعزيز واحترام حقوق الانسان عموما، وحقوق الفئات الضعيفة، ابرزهم الاطفال الذين يشكلون مستقبل الوطن خصوصا. 
هذا المبدأ العام الذي يشدد عليه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في لقاءاته مع العسكريين والاعلاميين، ترجم ضمن المديرية العامة للامن العام، في سياق خطط التطوير التي تشهدها، بانجازات عدة كرسته واقعا ملموسا في كل مجالات عملها ومهماتها، ضمن حدود صلاحياتها القانونية. 
من تلك الانجازات ذات الصلة بموضوع حماية ورعاية من هم دون سن 18 سنة تحديدا، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:  
-    في الاول من تشرين الثاني 2016 استحدثت المديرية العامة للامن العام، ضمن مكتب شؤون الجنسية والجوازات والاجانب، دائرة حقوق الانسان والمنظمات والهجرة التي من بين ابرز مهماتها الكثيرة متابعة ومعالجة كل ملفات حقوق الانسان حقوق الانسان عموما، وحقوق الاطفال كحمايتهم من كل اشكال الاستغلال والتعذيب والعمالة غير الشرعية والتسول وسواها، بالتعاون والتنسيق مع منظمات وهيئات المجتمع المدني المحلية والدولية، في اشراف القضاء المختص. تبين الاحصاءات ان الدائرة تتابع وتعالج ما يقارب 2000 حالة انسانية وحقوقية شهريا. من آخر النشاطات التي قامت وتقوم بها، نذكر على سبيل المثال، انجاز دورات للضباط والعسكريين في مجال اصول واليات التحقيق مع الاحداث، كما في مجال مكافحة عمل الاطفال غير الشرعي، وسواها ايضا بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني المحلية والدولية.
-    في 29 كانون الاول 2017 تم استحداث شعبة التعاون العسكري المدني التابعة الى مكتب التخطيط والتطوير في المديرية العامة للامن العام. من بين ابرز المهمات المتنوعة للشعبة، اجراء دورات ومحاضرات ونشاطات تثقيفية وترفيهية وتوعوية لغير الراشدين في المدارس والجامعات، كذلك ضمن المديرية وفي مختلف المناطق اللبنانية ضمن مقرات النوادي والجمعيات وسواها. من آخر تلك النشاطات نذكر على سبيل المثال، اجراء محاضرات عدة في العديد من المدارس والجامعات تتمحور حول التوعية على مخاطر المخدرات، ادمان الانترنت، وسائل حماية الاحداث من الجرائم السيبرانية التي تتسلل اليهم بطرق خبيثة وناعمة تبدو مشوقة في بدايتها، اجراء يوم ترفيهي في تلفريك جونيه لاطفال عسكريي الامن العام وشهدائهم وكل من رغب في المشاركة من المدنيين، يوم ترفيهي في صالات سينما Grand Cinemas الموجود في مختلف المحافظات اللبنانية شمل 3500 طفل شاهدوا فيلمين الاول ترفيهي والثاني توعوي توجيهي بالتعاون مع مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني. كذلك يتم الاستعداد لتنفيذ مشروع توزيع هدايا على الاطفال المصابين بمرض السرطان، بالتعاون مع جهات المجتمع المدني وجمعياته.
-    بالنسبة الى اذن سفر القاصر: في الماضي كان اذن سفر القاصر دون السبع سنوات يعطى بموافقة الاب والام معا، اما القاصر بين 7 و18 سنة فالاذن بسفره كان محصورا بوالده من دون اي اعتبار لرأي الام. في 11 كانون الاول 2013 اصدر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم تعليمات قضت باعتماد القاعدة التالية: اما موافقة الاب والام معا على اذن سفر القاصر دون 18 سنة، واما يبرز احدهما قرارا صادرا عن السلطة القضائية المختصة يعطيه حق منح الاذن بمفرده. هذا القرار، الذي ضمن مساواة الام بالاب وحماية مصلحة غير الراشد على السواء، كان محط تنويه مختلف جمعيات المجتمع المدني.
-    في ايلول عام 2018 تم استحداث  حضانة اطفال في المديرية العامة للامن العام، تتبع اداريا الى دائرة التدريب في مكتب شؤون العديد. الحضانة تعنى بالاهتمام باولاد عسكريي الامن العام في الخدمة الفعلية واولاد اشقائهم وشقيقاتهم، تحمل اسم(BRIGHT START NURSERY)  مقرها في منطقة قصقص- شارع عمر بيهم- بناية البحصلي. يضم طاقمها نخبة من المتخصصات في مختلف مجالات الحضانة، التغذية، الطب، علم النفس، وسواها. وهي  مجهزة باحدث اللوازم اللوجستية والالعاب الترفيهية والتثقيفية الخاصة بكل الفئات العمرية والتي تراعي ارقى المعايير الدولية في هذا المجال.
اضافة الى الكثير من الانجازات الاخرى التي لا تتوقف عند حدود حماية وتعزيز حقوق حقوق الطفل فحسب، بل تشمل ايضا سعي المديرية العامة للامن العام، بكل امكاناتها وصلاحياتها وعلى امتداد مساحة الوطن، الى العمل على رعايتهم وتثقيفهم والعناية بهم عناية الاب الصالح.